وبعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى أنه يعلم ما يلج في الأرض و ما يخرج منها و ما ينزل من السماء و ما يعرج فيها وهو مستوى على عرشه بائن من خلقه وأنه يبصر أعمالنا ، أننا نحن إليه راجعون .
(( له ملك السموات والأرض و إلى الله ترجع الأمور ))
إذا أيها العبد أين ستذهب بمعصيتك تحت الأرض في الأنفاق والكهوف !!!!
أم في أعماق البحار والمحيطات !!!
أم في السماء !!!
أم في المريخ !!!
إن الله يراك أينما كنت
فأين أنت ذاهب من ربك ومولاك
أتفر منه !!!!!! لا مفر .... فله ملك السموات والأرض
فلا مفر إلا إليه سبحانه لأنك إليه راجع
(( وإلى الله ترجع الأمور ))
فيحاسبك على ما عملت فإن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر .
حكي عن إبراهيم بن أدهم أن رجلا أتاه فقال : يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي فاعرض علي ما يكون لها زاجرا ومستنقذا لقلبي .
قال : إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية ولم توبقك لذة .
قال : هات يا أبا إسحاق .
قال : أما الأولى فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل رزقه .
قال : فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه .
فقال : يا هذا أفيحسن بك أن تأكل رزقه و تعصيه .
فقال : لا و الله ، هات الثانية .
قال : إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن في بلده .
فقال الرجل : يا إبراهيم هذه و الله أشد من الأولى إذا كانت كل البلاد له ، ففي أي جهة أسكن ؟
قال : يا هذا أفيحسن بك أن تسكن في بلدة و تأكل رزقه و تعصيه ؟
قال : لا و الله ، هات الثالثة .
قال : إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعا لا يراك فيه مبارزا له فاعصه فيه .
قال : يا إبراهيم كيف يكون هذا و هو يعلم السرائر و يكشف الضمائر ؟
قال : يا هذا أفيحسن بك أن تأكل رزقه ، و تسكن بلده ، و تعصيه وهو يراك ؟
فقال : لا و الله ، هات الرابعة .
قال : إذا جاء ملك الموت يقبض روحك ، فقل : أخرني حتى أتوب .
قال : لا يقبل مني .
قال : يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير فكيف ترجو وجه الخلاص .
قال : صدقت ، هات الخامسة .
قال : إذا كان غدا بين يدي الله تعالى و أمر بك على النار : فقل لا أذهب إليها .
فقال : يا إبراهيم حسبي حسبي حسبي .
(( له ملك السموات والأرض و إلى الله ترجع الأمور ))
أي هو المالك للدنيا والآخرة ، كما قال تعالى (( وإن لنا للآخرة والأولى )) وهو المحمود على ذلك كما قال تعالى (( الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير )) فجميع ما في السماوات والأرض ملك له وأهلهما عبيد أرقاء أذلاء بين يديه ، كما قال تعالى (( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا )) ولهذا قال (( وإلى الله ترجع الأمور )) أي إليه المرجع يوم القيامة فيحكم في خلقه بما يشاء وهو العادل الذي لا يجور ولا يظلم مثقال ذرة بل إن يكن عمل أحدهم حسنة واحدة يضاعفها إلى عشر أمثالها (( ويؤت من لدنه أجرا عظيما )) كما قال تعالى (( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين )) .
و اختلف العلماء في تكرار قول الله تعالى (( له ملك السموات والارض يحي ويميت )) و الآية التي بعدها (( له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور ))
فقال بعضهم : أنه تأكيد
وقال بعضهم : تأكيد وتمهيد لقوله (( وإلى الله ترجع الأمور )) قاله أبوه سعود
وقال بعضهم : ليس بتكرار ، لأن الأولى في الدنيا يحي ويميت ، والثاني في العقبى _ أي في الآخرة _ لقوله (( وإلى الله ترجع الأمور )) قاله الكرماني في كتابه أسرار التكرار ص233
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله G } و إلى الله ترجع الأمور { كل الأمور أي الشؤون العامة و الخاصة ، الدينية ، و الدنيوية ، والاخروية كلها ترجع إلى الله _ عز و جل _ فكل أمور الإنسان الخاصة ترجع إلى الله ، و لذلك يجب عليك إذا ألمَّت بك ملمة أن ترجع إلى الله _ عز وجل _ لأن المشركين و هم مشركون _ إذا ألمت بهم الملمات التي يعجزون عنها يرجعون إلى الله _ عز و جل _ فإذا عصفت بهم الرياح في أعماق البحار على السفن يلجئون إلى الله عز و جل ، و يرجعون إلى الله ، ويسألونه أن ينجيهم و هم مشركون ، فكيف بك أنت أيها المسلم ، فالجأ إلى الله في كل صغير أو كبير ، ديني أو دنيوي خاص بك أو بأهلك ، لا تلجأ لغير الله ، فمن أنزل حاجته بالله قُضيت ، و من أنزل حاجته بغير الله وُكل إليه ، فنقول : إلى الله ترجع الأمور عامة : الأمور الدينية و الدنيوية والأخروية ، والخاصة و العامة و إذا آمنت بهذا و يجب أن تؤمن به صرت لا تلجأ إلا إلى الله .