تطور أدب الأطفال العربي:
إذا عدنا إلى التراث العربي الإسلامي سنجد ألواناً كثيرة من أدب الأطفال، وتذكر المصادر التاريخية والأدبية عدداً كبيراً من الأشعار في الجاهلية والإسلام، التي تعد من الأناشيد أو الأشعار والغاني الخاصة بالأطفال، كما أن التراث غني بالنصوص النثرية شريطة أن نخضعها لظروف عصرها وطبيعته وقيمته وعاداته[6]. وإذا كان الأدب العربي في العصور السابقة لم يعرف فناً أدبياً ناضجاً خاصاً بالأطفال فلا ينفرد بذلك وحده، فقد ميز هذا النقص آداب المم الأخرى، ولكننا نعثر في الأدب العربي على بعض المؤشرات الإيجابية التي انفرد بها الأدب العربي عن غيره وتميز بها[7]:
1. الاهتمام المبكر بالتربية الشاملة للأطفال روحياً وجسدياً منذ مجيء الإسلام[8].
2. وجود أرضية تراثية خصبة تضمنها التراث الأدبي الواسع.
وقد خلص البعض إلى أن أدب الأطفال العربي قديم وبعضه مشمول في أدب الكبار[9]، وإن بعض القدماء وضعوا كتباً للأطفال ونصوا في المقدمة على ذلك، وإن عبارة "أدب الأطفال" عبارة قديمة. والأذرعي المولود سنة 750هـ-1349م كان ملماً بأدب الأطفال أي قبل أدب الأطفال الأوروبي بـ 135 سنة[10]. ويختلف الباحثون حول هوية أول كتاب عربي فهناك من يرى أن أول كتاب أطفال عربي حديث هو النفثاث لرزق الله حسون من حلب، وكان صدوره سنة 1867[11]. أما أحمد نجيب فقد خلص إلى أن قصة القطيطات العزاز لمحمد حمدي وجورج روب التي نشرتها دار المعارف سنة 1912 هي أول كتاب أطفال عربي، وأن ما سبقه من كتب لا تتحلى بالصفات المطلوبة في كتاب الطفل، رغم توجه أصحابها بها إلى الطفل العربي[12]، بينما يرى عبد التواب يوسف أن أقدم قصة عربية هي الأسد والغواص[13].
وأدب الأطفال في العالم العربي حديث، وإن كانت جذوره تمتد إلى مصر القديمة[14]، وجذوره الحديثة أيضاً تمتد إلى مصر الحديثة، حيث حملت مصر مشاعل الريادة لهذا الفن في الأدب الحديث.
ففي منتصف القرن التاسع العشر الميلادي بين أعوام ( 1849-1854) أتم محمد عثمان جلال (1828-1898) ترجمة معظم الحكايات الشعرية الخرافية الغربية إلى العربية نقلاً عن الشاعر الفرنسي لافونتين[15] (Lafontaine) (1621-1695). وقد اطلق محمد عثمان جلال على كتابه المترجم: العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ . ويعتبر إصدار مجلة روضة المدارس المصرية في عام 1870 ونشرها المواد الأدبية للطلاب والكتّاب مرحلة غير مسبوقة في نشر الكتابات الأدبية للناشئين[16].
ويرى بعض الدارسين الذين تناولوا تأريخ أدب الأطفال بعام 1875، كبداية لنشأة أدب الطفل في الدب العربي الحديث، ودليلهم إصدار رفاعة الطهطاوي لكتابة المرشد الأمين في تربية البنات والبنين في تلك السنة[17]. ومن قصصه المترجمة حكايات الأطفال، عقلة الاصبع، وقد ادخل الطهطاوي قراءة القصص في المنهج المدرسي.
وفي العصر الحديث، كان للأدب العربي دور بارز في ميدان القصة فقد أنجز بعض الشعراء الرواد، امثال "أحمد شوقي" شعراً قصصياً عظيماً للطفال معبرين عن ميول هذا السن المبكر ورغباته، فجاءت أشعارهم التي تحكي قصصاً وروايات على لسان الحيوان والطير "وكان شوقي بأغنياته وقصصه الشعرية التي كتبها على ألسنة الطير والحيوان للصغار رائداً لأدب الأطفال في اللغة العربية وأول من كتب للأحداث العرب أدباً يستمتعون به ويتذوقونه"[18].
وعندما أصدر الشاعر أحمد شوقي ديوان الشوقيات عام 1898 دعا الشعراء في مقدمة الديوان في الكتابة للأطفال. وقد تأثر شوقي بأسلوب "لافونتين" كما جاء في مقدمة الديوان. وقد تضمنت الشوقيات عدداً من الحكايات الشعرية على ألسنة الحيوان. ويعتبر أحمد شوقي بذلك رائداً لأدب الأطفال في اللغة العربية[19].
ويقول شوقي عن الحكايات والأغنيات التي قدمها للأطفال في الوطن العربي كتجربة شعرية رائدة:" وجربت خاطري في نظم الحكايات على أسلوب "لافونتين"، فكنت إذا فرغت من وضع أسطورتين أو ثلاث اجتمع بأحداث المصريين وأقرأ عليهم شيئاً منها فيفهمونه لأول وهلة، ويأنسون إليه ويضحكون من أكثره. وأنا استبشر لذلك، واتمنى لو وفقني الله لأجعل للأطفال المصريين مثلما جعل الشعراء للأطفال في البلاد المستحدثة، منظومات قريبة المتناول يأخذون الحكمة والأدب من خلالها على قدر عقولهم..."[20